فصل: قال الشعراوي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



والاتّباع في قوله: {ولا تتبعوا من دونه أولياء} يجوز أن يكون مستعملًا في المعنى الذي استعمل فيه الاتّباع في قوله: {اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم} وذلك على تقدير: لا تتّبعوا ما يأتيكم من أولياء دون الله، فإن المشركين ينسبون ما هم عليه من الدّيانة الضّالة إلى الآلهة الباطلة، أو إلى سدنة الآلهة وكُهّانها، كما تقدّم عند قوله تعالى: {وكذلك زَيّن لكثير من المشركين قتلَ أولادهم شركاؤهم} [الأنعام: 137]، وقوله: {فقالوا هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا} كما في سورة الأنعام (136)، وعلى تلك الاعتبارات يجري التّقدير في قوله: {أولياء} أي لا تمتثلوا للأولياء أو أمرهم أو لدعاة الأولياء وسدنتهم.
ويجوز أن يكون الاتّباع مستعارًا للطّلب والاتّخاذ، أي ولا تتّخذوا أولياء غيره نحو قولهم: هو يتّبع زلة فلان.
وفي الحديث: «يتّبع بها شَعَف الجبال ومواقعَ القطر» أي يتطلبها.
و{مِنْ} في قوله: {من دونه} ابتدائيّة، ودون ظرف للمكان المجاوز المنفصل، وقد جرّ بمن الجارة للظروف، وهو استعارة للترك والإعراض.
والمجرور في موضع الحال من فاعل {تتّبعوا}، أي لا تتّبعوا أولياء متّخذينَها دونه، فإنّ المشركين وإن كانوا قد اعترفوا لله بالإلهيّة واتبعوا أمره بزعمهم في كثير من أعمالهم: كالحج ومناسكه، والحَلِف باسمه، فهم أيضًا اتّبعوا الأصنام بعبادتها أو نسبةِ الدّين إليها، فكلّ عمل تقرّبوا به إلى الأصنام، وكلّ عمل عملوه امتثالا لأمر ينسب إلى الأصنام، فهم عند عمله يكونون متّبعين اتِّباعًا فيه اعراض عن الله وترك للتّقرب إليه، فيكون اتّباعًا من دون الله، فيدخل في النّهي، وبهذا النّهي قد سُدت عليهم أبواب الشّرك وتأويلاته كقولهم: {ما نعبدهم إلاّ ليقرّبونا إلى الله زلفى} [الزمر: 3] فقد جاء قوله: {ولا تتبعوا من دونه أولياء} في أعلى درجة من الايجاز واستيعاب المقصود.
وأفاد مجموع قوله: {اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء} مفاد صيغة قصر، كأنّه قال: لا تتّبعوا إلاّ ما أمر به ربّكم، أي دون ما يأمركم به أولياؤكم، فعُدل عن طريق القصر لتكون جملة: {ولا تتبعوا من دونه أولياء} مستقلّة صريحة الدّلالة اهتمامًا بمضمونها على نحو قول السَّمَوْأل أوْ الحَارثي:
تَسيِلُ على حد الظُّبات نفوسنا ** وليست على غير الظبَات تسيل

وجملة: {قليلًا ما تذكرون} هي في موضع الحال من {لا تَتَّبعوا}، وهي حال سببيّة وكاشفة لصاحبها، وليست مقيِّدَة للنّهي: لظهور أنّ المتّبعين أولياءَ من دون الله ليسوا إلاّ قليلي التذكر.
ويجوز جعل الجملة اعتراضًا تذييليًا.
ولفظ {قليلًا} يجوز أن يحمل على حقيقته لأنّهم قد يتذكّرون ثمّ يعرضون عن التّذكّر في أكثر أحوالهم فهم في غفلة معرضون، ويجوز أن يكون {قليلًا} مستعارًا لمعنى النّفي والعدم على وجه التّلميح كقوله تعالى: {فقليلًا ما يؤمنون} [البقرة: 88] فإنّ الإيمان لا يوصف بالقلّة والكثرة.
والتّذكّر مصدر الذّكر بضمّ الذال وهو حضور الصورة في الذّهن.
وقليل مستعمل في العدم على طريقة التّهكّم بالمضيع للأمر النّافع يقال له: إنّك قليل الإتيان بالأمر النّافع، تنبيهًا له على خطئه، وإنّه إن كان في ذلك تفريط فلا ينبغي أن يتجاوز حدّ التّقليل دون التّضييع له كلّه.
وما مصدريّة والتّقدير: قليلًا تَذَكُّركم، ويجوز أن يكون {قليلًا} صفة مصدر محذوف دلّ عليه {تذكرون} وما مزيدة لتوكيد القلّة، أي نوع قلّة ضعيف، نحو قوله تعالى: {أنْ يضرِبَ مثلا مَّا} [البقرة: 26].
وتقدّم القول في نظيره عند قوله تعالى: {فقليلًا ما يؤمنون} في سورة البقرة (88).
والمعنى: لو تذكّرتم لما اتّبعتم من دونه أولياء ولما احتجتم إلى النّهي عن أن تتّبعوا من دونه أولياء، وهذا نداء على إضاعتهم النّظر والاستدلال في صفات الله وفي نقائص أوليائهم المزعومين.
وقرأ الجمهور: {ما تذّكرون} بفوقية واحدة وتشديد الذال على أنّ أصله تَتَذكّرون بتاءين فوقيتين فقلبت ثانيتُهما ذالًا لتقارب مخرجيهما ليتأتى تخفيفه بالإدغام.
وقرأه حمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم، وخلف بتخفيف الذال على حذف إحدى التاءين اختصارًا.
وقرأه ابن عامر: {يتذكّرون} بتحتيّة في أوّله ثمّ فوقيّة، والضّمير عائد إلى المشركين على طريقة الالتفات من الخطاب إلى الغيبة، أعرض عنهم ووجَّه الكلام على غيرهم من السّامعين: إلى النّبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين. اهـ.

.قال القاسمي:

{اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} [3].
قوله تعالى: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ} خطاب منه تعالى لكافة المكلفين بالأمر باتباع ما أنزل، وهو القرآن، والمراد بـ: {مَا أُنزِلَ}: القرآن والسنة، وقوفا مع عمومه، لقوله سبحانه: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى}.
تنبيه:
قال السيوطي في الإكليل: استدل به بعضهم على أن المباح مأمور به، لأنه من جملة ما أنزل الله، وقد أمرنا الله باتباعها- انتهى-.
وأقول: هذا غلو في الاستنباط، وتعمق بارد، ويرحم الله القائل: إذا اشتد البياض صار بَرَصًا.
{وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ} أي: لا تتبعوا أولياء غيره تعالى، من الجن والإنس، فيحملوكم على عبادة الأوثان والأهواء والبدع.
{قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} أي: ما تتعظون إلا قليلا، حيث لا تتأثرون ولا تعملون بموجبه، وتتركون دينه تعالى، وتتبعون غيره. اهـ.

.قال الشعراوي:

{اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (3)}
وما دام العباد سينقسمون أمام صاحب الرسالة والكتاب الذي جاء به إلى من يقبل الهداية، ومن يحتاج إلى النذارة لذلك يقول لهم: {اتبعوا مَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ مِّن رَّبِّكُمْ} [الأعراف: 3]
وينهاهم عن الشرك وعدم الاستهداء أي طلب الهداية فيقول: {وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ} [الأعراف: 3]
وحينما يأتي الحق سبحانه في مثل هذه الآيات ويقول: {وذكرى}. أو {وذكِّر} إنما يلفتنا إلى أن الفطرة المطبوع عليها الإِنسان مؤمنة، والرسالات كلها لم تأت لتنشئ إيمانًا جديدًا، وإنما جاءت لتذكر بالعهد الذي أخذ علينا أيام كنا في عالم الذر، وقبل أن يكون لنا شهوة اختيار: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بني ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ على أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بلى شَهِدْنَآ...} [الأعراف: 172]
هذا هو الإقرار في عالم الذر، إذن فحين يقول الحق: {قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ} فنحن نلتفت إلى ما نسي الآباء أن يبلغوه للأبناء؛ فالآباء يعلمون الأبناء متطلبات حياتهم، وكان من الواجب أن يعلموهم مع ذلك قيم هذه الحياة التي تلقوها؛ لأن آدم وحواء ما نزلا إلى الأرض قال لهما الحق: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتبع هُدَايَ...} [طه: 123]
وهكذا نعلم أن هناك {هدى} قد نزل على آدم، وكان من الواجب على آدم أن يعلمه للأبناء، ويعلمه الأبناء للأحفاد، وكان يجب أن يظل هذا الهدى منقولًا في سلسلة الحياة كما وصلت كل أقضية الحياة. ويأتي سبحانه لنا بحيثيات الاتباع. {اتبعوا مَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ مِّن رَّبِّكُمْ...} [الأعراف: 3]
فالمنهج الذي يأتي من الرب الأعلى هو الذي يصلح الحياة، ولا غضاضة على أحد منكم في أن يتبع ما أنزل إليه من الإله المربي القادر. الذي ربّى، وخلق من عدم، وأمد من عدم، وهو المتولي للتربية، ولا يمكن أن يربي أجسادنا بالطعام والشراب والهواء ولا يربي قيمنا بالأخلاق. {وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ}.
ومادام قد أوضح: اتبعوا ما أنزل إليكم من أعلى، فلا يصح أن تأتي لمن دونه وتأخذ منه، مثلما يفعل العالم الآن حين يأخذ قوانينه من دون الله ومن هوى البشر. فها يحب الرأسمالية فيفرضها بالسيف، وآخر يحب الاشتراكية فيفرضها البشر. بالسيف. وكل واحد يفرض بسيفه القوانين التي تلائمه. وكلها دون منهج الله لأنها أفكار بشر، وتتصادم بأفكار بشر، والأولى من هذا وذاك أن نأخذ مما لا نستنكف أن نكون عبيدًا له.
{... وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ} [الأعراف: 3]
وتذكر أيها المؤمن أن عزتك في اتباع منهج الله تتجلّى في أنك لا تخضع لمساوٍ لك، وهذه ميزة الدين الذي يجعل الإنسان يحيا في الكون وكرامته محفوظةً، وإن جاءته مسألة فوق أسبابه يقابلها بالمتاح له من الأسباب مؤمنًا بأن رب الأسباب سيقدم له العون، ويقدم الحق له العون فعلًا فيسجد لله شاكرًا، أما الذي ليس له رب فساعة أن تأتي له مسألة فوق أسبابه تضيق حياته عليه وقد ينتحر.
ثم بعد ذلك يبين الحق أن موكب الرسالات سائر من لدن آدم، وكلما طرأت الغفلة على البشر أرسل الله رسولًا ينبههم. ويوقظ القيم والمناعة الدينية التي توجد في الذات، بحيث إذا مالت الذات إلى شيء انحرافي تنبه الذات نفسها وتقول: لماذا فعلت هكذا؟. وهذه هي النفس اللوامة. فإذا ما سكتت النفس اللوامة واستمرأ الإنسان الخطأ، وصارت نفسه أمارة بالسوء طوال الوقت؛ فالمجتمع الذي حوله يعدله.
وهذه فائدة التواصي بالحق والصبر، فكل واحد يوصَّى في ظرف، ويوصِّي في ظرف آخر؛ فحين تضعف نفسه أمام شهوة يأتي شخص آخر لم يضعف في هذه الشهوة وينصح الإنسان، ويتبادل الإنسان النصح مع غيره، هذا هو معنى التواصي؛ فالوصية لا تأتي من جماعة تحترف توصية الناس، بل يكون كل إنسان موصيًا فيما هو فيه قوي، ويوصي فيما هو فيه ضعيف، فإذا فسد المجتمع، تتدخل السماء برسول جديد ومعجزة جديدة، ومنهج جديد، لكن الله أمن أمة محمد على هذا الأمر فلم يجيء رسول بعده لأننا خير أمة أخرجت للناس. والخيرية تتجلى في أننا نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر، فالتواصي باقٍ إلى أن تقوم الساعة. {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بالمعروف وَتَنْهَوْنَ عَنِ المنكر...} [آل عمران: 110]
وهذه خاصية لن تنتهي أبدًا، فإن رأيت منكرًا فلابد من خلية خير تنكره وتقول: لا، وإذا كان الحق قد جعل محمدًا خاتم الرسل، فذلك شهادة لأمته أنها أصبحت مأمونة، وأن المناعة الذاتية فيها لا تمتنع وتنقطع، وكذلك لا تمتنع منها أبدًا المناعة الاجتماعية فلن يأتي رسول بعد سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم. اهـ.

.قال الجصاص:

قَوْله تَعَالَى: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ}
هُوَ أَنْ يَكُونَ تَصَرُّفُهُ مَقْصُورًا عَلَى مُرَادِ أَمْرِهِ؛ وَهُوَ نَظِيرُ الِائْتِمَامِ، وَهُوَ أَنْ يَأْتَمَّ بِهِ فِي اتِّبَاعِ مُرَادِهِ وَفِي فِعْلِهِ غَيْرُ خَارِجٍ عَنْ تَدْبِيرِهِ.
فَإِنْ قِيلَ: هَلْ يَكُونُ فَاعِلُ الْمُبَاحِ مُتَّبِعًا لِأَمْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ؟ قِيلَ لَهُ: قَدْ يَكُونُ مُتَّبِعًا إذَا قَصَدَ بِهِ اتِّبَاعَ أَمْرِهِ فِي اعْتِقَادِ إبَاحَتِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وُقُوعُ الْفِعْلِ مُرَادًا مِنْهُ، وَأَمَّا فَاعِلُ الْوَاجِبِ فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ الِاتِّبَاعُ فِي وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: اعْتِقَادُ وُجُوبِهِ، وَالثَّانِي: إيقَاعُ فِعْلِهِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَأْمُورِ بِهِ، فَلَمَّا ضَارَعَ الْمُبَاحَ الْوَاجِبَ فِي الِاعْتِقَادِ؛ إذْ كَانَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وُجُوبُ الِاعْتِقَادِ بِحُكْمِ الشَّيْءِ عَلَى تَرْتِيبِهِ وَنِظَامِهِ فِي إبَاحَةٍ أَوْ إيجَابٍ جَازَ أَنْ يَشْتَمِلَ قَوْلُهُ: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ} عَلَى الْمُبَاحِ وَالْوَاجِبِ وَقَوْلُهُ: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ} دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ اتِّبَاعِ الْقُرْآنِ فِي كُلِّ حَالٍ وَأَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ الِاعْتِرَاضُ عَلَى حُكْمِهِ بِأَخْبَارِ الْآحَادِ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِاتِّبَاعِهِ قَدْ ثَبَتَ بِنَصِّ التَّنْزِيلِ، وَقَبُولُ خَبَرِ الْوَاحِدِ غَيْرُ ثَابِتٍ بِنَصِّ التَّنْزِيلِ، فَغَيْرُ جَائِزٍ تَرْكُهُ؛ لِأَنَّ لُزُومَ اتِّبَاعِ الْقُرْآنِ قَدْ ثَبَتَ مِنْ طَرِيقٍ يُوجِبُ الْعِلْمَ وَخَبَرُ الْوَاحِدِ يُوجِبُ الْعَمَلَ فَلَا يَجُوزُ تَرْكُهُ وَلَا الِاعْتِرَاضَ بِهِ عَلَيْهِ.
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِ أَصْحَابِنَا فِي أَنَّ قَوْلَ مَنْ خَالَفَ الْقُرْآنَ فِي أَخْبَارِ الْآحَادِ غَيْرُ مَقْبُولٍ؛ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «مَا جَاءَكُمْ مِنِّي فَاعْرِضُوهُ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ، فَمَا وَافَقَ كِتَابَ اللَّهِ فَهُوَ عَنِّي وَمَا خَالَفَ كِتَابَ اللَّهِ فَلَيْسَ عَنِّي».
فَهَذَا عِنْدَنَا فِيمَا كَانَ وُرُودُهُ مِنْ طَرِيقِ الْآحَادِ، فَأَمَّا مَا ثَبَتَ مِنْ طَرِيقِ التَّوَاتُرِ فَجَائِزٌ تَخْصِيصُ الْقُرْآنِ بِهِ وَكَذَلِكَ نَسَخَهُ قَوْلُهُ: {وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ} عَنْهُ فَانْتَهُوا فَمَا تَيَقَّنَّا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَهُ فَإِنَّهُ فِي إيجَابِ الْحُكْمِ بِمَنْزِلَةِ الْقُرْآنِ، فَجَائِزٌ تَخْصِيصُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ وَكَذَلِكَ نَسْخُهُ. اهـ.